عصريات رمضان
في أرجاء بيتنا

البيت الوهاج نورًا، يبهر عيني من ساعة خروجي من غرفتي، لأرجع فاتحةً النوافذ، ساعيةً للتوازن الضوئي.
نافذة الصالة المفتوحة على البيت كله، تضمّه بدفئها، نافذتي السلالم العليا والسفلى. أحب نوافذ البيت، كبيرةٌ كبيرة، كأنها تقول للشمس تعالِي، بدل أن تدع أشعتها تتسلل وتتغافل عنها.

الصمت العامّ، إلا من همهمات هنا وهناك، سارة تقرأ القرآن في الأعلى، لينة تمشي في الصالة وهي تتلو في الوقت ذاته، بعد قليل يأتي علي من المسجد وقد أعطى قدميه أمر الصاروخ بالانطلاق لغرفته، تليه بقليل بثينة، مليئةً بالحياة، تسأل من يخرج معي، أو حتى من يغسل الفناء، نعم يغسله في عصر رمضان.

صوت الماء المغلي، يجب أن نعدّ شاي أبي مبكرًا، فهو يحبه خامرًا ودافئًا. تتغير وصفة الشاي كل فترة، إلا أن آخر مستجداتها كانت أن أُعجب أبي بشاي علي، ليتكفّل الأخير بصنعه مابقي من الشهر.

دهشة النور لم تزل فينا حتى نسينا فتح المصابيح، نتذكر ذلك حين يجلس أبي في الصالة ويقول: "افتحوا الأنوار".

أحاول الابتعاد من المطبخ في الساعة الأخيرة، لأحافظ على ملابسي الجديدة من الرائحة، وأعصابي من الدوار. ألف رأسي متجهةً للمجلس "الغرفة الحنون" فأجد غازي مفترشًا الأرض كقطة فرعونية مبجّلة، وحين اقترب قليلًا يبدأ بالمواء مشيرًا أن افتحي لي.

تنزل ديمة لتفاجئنا ماذا صنعت اليوم، ضاحكةً بعد أن قالت أمي لأبي (ديمة تستاهل تضاعف عيديتها)

تبدأ طاقتنا بالتلاشي، وتغمر أرواحنا الفقر وقلة الحيلة، فنلمس حقيقة ضعفنا، ضعف بني الإنسان، ونتجه لله داعين، راجين أن يغفر لنا ويكتبنا من العُتقاء.


ما إن يُرفع أذان الفجر، حتى تغشى سكينة من نوع آخر الأرجاء، أفرش سجادتي واتفاجأ أحيانًا بغازي حولها، محاولًا دحض فكرتنا عن الأنعام، ولسان حاله "خليني بس أصلي وأوريك" أرفسه طبعًا ليخرج مع النافذة، حمامةٌ فريدة.

أتحين متى يرفع الأذان في الحرم، أرفع الصوت فأردد ع المؤذن ومن مرّ على الصالة لا يُحرم الأجر.

بعد الطردة


كل الأوقات في رمضان حُلوة! لا أدري كيف انفلت عقده فلم يبقَ منه إلا ثلاثة. الوقت الرمضاني الجديد الرائع: الساعة الخامسة فجرًا، داخل السيارة، متجهين إلى السوق. ومن المستغرب، على الأقل بالنسبة لي، أن السوق كذلك رائع آنذاك! سوق الذهب خاصّة، نسيم الصبح العجيب والأطفال الرائقين وضوء الشمس لا الأنوار. التفت لديمة قائلة: الساعة ست الصبح أحب كل الناس، كل البششر.

اقترب العيد، تظهر قوتك الحقيقية هنا، بين التجهيز للعيد واغتنام آخر أيام الشهر، وأفضلها. ننتهز الصبح كذلك لهذه التجهيزات. أحب أن أصنع شيئًا صغيرًا، أي شيء، يُضفي فرحةً على من حولي. مخادعةٌ أنا حين أفعل هذا، لأني أفرح أكثر، وتغمرني بهجة لا يمكن حصرها.


أتى أبي بزكاة الفطر للمنزل، لنخرجها فيما بعد. بعد وقت يسير وجدنا غازي قد أتم وظيفته -جمارك لأي أغراض تدخل المنزل- على أتم وجه. بل وعززها برضاه عن جودة المنتج، بالتجربة.


أخيرًا، إن في القرآن حلاوةٌ وطلاوة يذوقها من صحبه، وتلاه بقلبٍ حيّ. يساعد على حياة الروح هذه تلاوته بصوتٍ عال، وترتيله والترنّم به. استوعبت هذا الرمضان فقط، أن حتى هذه الشيء الصغير (التلاوة بصوت عال) نعمة وقدرة عظيمة لا يُستهان بها، وأن كثيرًا من الناس يتمنون تلاوته، ومنتهى قدرتهم الجسدية أن يسمعوه، أو يتمتمون به بينهم وبين أنفسهم :(
اقرأ، ورتّل وتغنّ، واحمدالله كثيرًا❤