عزلة

لا أفتح الباب أبدًا، دائمًا ما أدخل من الشباك، لأني أعرف سرعة خروجي، وعدم استقراري في عالم -وما أكثر هذه العوالم- 

لماذا؟

تنويه: أكتب هذه الأسباب لنفسي أولًا، ولغيري ممن أراد معرفة “كيف تفكر هذي اللي تحذف الواتساب” هاكِ السطور التالية، ستمحو الفسيفساء لفعلنا بعقلك، وترسِم صورة نابضة. 

- إزالة السموم

أو كما هو متعارف عليه (ديتوكس)

منذ زمن وأنا أحس بهذا المعنى حينما أغادر “العوالم”، وعثرت أخيرًا على ترجمة لأفكاري. حين بحثت حول موضوع الانقطاع عن وسائل التواصل الاجتماعي، في مصادر شتّى. آخرها، وهو ما أثر في كثيرًا، مقطعٌ بعنوان How I Tricked My Brain To Like Doing Hard Things.


الدوبامين مادة كيميائية تُفرز عند الشعور بالسعادة. وتسببها مؤثرات شتّى، منها مثلًا لا حصرًا: القهوة، السكريات، تنبيهات الجوال.. تصل بك إلى حد الإدمان.


كلنا مدمنين بنسبة أو بأخرى لأشياء مختلفة. تعرفون معاناة المدخنين عندما قرارهم الإقلاع عن التدخين؟ بصورة مماثلة -وإن كانت أخف- تصبح معاناتنا عندما نُمنع عن مصادر “الدوبامين” خاصتنا. فلذلك توصّل هذا المقطع لحلٍ رائع، وهو تخصيص يوم للامتناع عن كل مصادر الدوبامين خاصتك. أو بصورة أخف: توزيع هذا الصيام على زمنٍ أوسع وبكمية أقل، فتمتنع عن كذا لمدة كذا مع بقاء العوالم الأخرى. 

أعرف أن هذه قد تبدو فكرة تعسفية للبعض، لكن أظنّ أن اختلاف الشخصيات يلعب دورًا كبيرًا في تطبيقها. شخصيتي تنجح معها هذه الخطة، لكنها ربما لا تناسبك، اب تو هو ار يو T.T

-امتهان الملل

الملل عادة صحية توقفنا عن ممارستها منذ وقت بعيد. الجملة السابقة لها رنة علمية لذا ستبقى v.v

في هذا العالم السريع قلّما يصادفك الملل. حتى إن طلّ ورأيت بوادره رحت تُسكته بوسائل عصر السرعة. أعترف أن الملل زارني كثيرًا، وأزعجني بعض الشيء في الأيام الماضية، لكن بما أن صحبتنا ستطول، قررتُ اتخاذه صديقًا. قضيت مع لولي الصغيرة وقتًا أطول مما أقضيه عادة، اعتقت فستاني المعلق من الانتظار وخِطت أزراره، رتبت غرفتي مرات عديدة. وحاولت اختراع مكيف بدائي للدراجة، لأستطيع ركوبها في جونا الحار حتى ليلًا (طور التنفيذ). قررت ألا أترك للملل مجالًا واسعًا، فالأيام فاضلة، ويجب أن أعوّده على الجد حتى يصبر عليه حينما يكبر. اجتهدت به لأن يقرأ القرآن و يسمع الأحاديث ويقرأ الكتب، اللهم انبته نباتًا صالحًا. 

-رؤية الوضع من بعيد

  • اكتشفت أني بدون “العوالم” لا أحتاج هاتفي، باستثناء المكالمات والتصوير. شيء غريب أني كنت أوليه اهتمامًا عاليًا ثم أصبح لا يعني لي شيئًا. هل يعقل أني كنت أقضي عليه كل هذا الوقت؟

    بمقاييسي الحالية، كنت فاضحة الإفراط. لا ضير أن أجرّ نفسي للوسط، وأتمنى ألا أبالغ فأكمل الطريق للناحية الأخرى، المنع الكامل. 

  • قضية الإعلانات.. التي نحن سلعة رخيصة بين يديها. فضلًا عن الوقت الضائع لكل إعلان يتربع على عرش جوالك، استوعبت أنها تبرمج عقلي -قوية تبرمج!- على الرغبة بالشراء، وإن كنت لا أحتاج. تزرع في نفسي شجيرة حاجة ، لنقل ولو جذور حاجة، تنمو رويدًا رويدًا وتحسسني “أوه في شيء ناقص”. وإن لم تنتهي بالاستجابة للإعلان، فستفوز بحصةٍ من رضايَ الذاتي. 


    اتضحت لي هذه الحقيقة قبل بضعة أشهر. بناءً عليها ألغيت متابعة جلّ الحسابات التجارية، وكتمت (ستوريات) القلة المتبقية. واكتفيت بمنشوراتهم العادية، التي تلبي احتياجي فقط. ألغيت الاشتراك التلقائي بالبريد مع كل مواقع التسوق. أما ما ليس لي فيه حيلة، كإعلانات يوتيوب مثلًا، فعلى الأقل استيعابي للمغزى يقي شرّ  التأثر. 


  • قضية “من هم” وكيف أعاملهم، بعد أن عرفت من أنا. 

- من أنا

تتيح لي العزلة معرفة نفسي بشكل جيّد، جرّاء ابتعادي عن مخالطة البشر وتوجيه اهتمامي لهم. رأيت هذه الفائدة خصوصًا هذه الأيام، إذ كنت أشعر بأني حرفيًا “ضائعة” وأمور مبهمة كثيرة تلغّم مستقبلي. شعوري بهذا جعل جرس الإنذار يزداد احمرارًا مع الوقت، حتى أنقذته من هذا التوتر الكهربائي. 

أستطيع الآن أن أكتب كثيرًا، والكتابة كالرسم، جرّب إعطاء طفلٍ كراسةً وقلمًا واجعله يرسم، ستعرف ما يفكر فيه، ما يقلقه وما هو مهتم بشأنه.


وأستطيع القراءة بنهم وبذهنٍ صاف، أتذكر كم كنت أحب القراءة لهذا الحد، وكم سلبتني “ العوالم” هوايتي المحببة. 

في ذهني فراغ لابد أن يمتلئ بسائل ما -أو بغاز- كان الانشغال بالناس والبرامج والأمور المترتبة عليها، من تشتت ذهن وتضارب مشاعر وإحساس بالإنهاك العقلي رغم إني بالحقيقة لم أفعل شيئًا يستوجب الإنهاك، كان هذا هو ما يملأ الفراغ. أما الآن فالفضاء فارغ، أربكه ملل قليل بداية فراغه، لكنه سرعان ما امتلأ بالكتب، بالمقالات، بالدورات الطويلة، التي تُعطيك قطعة كاملة لا فتاتًا من العلم. 


كنت أشتكي لريما: أحب العلم، وأكره جهلي، وأعرف أني سأبقى جاهلة بنسبة أو بأخرى مهما حاولت التعلم. لذا الحل الأعدل أن أبدأ بالتعلم الآن وما استطعت، وأفِرّ من الجهل فراري من العدو. 


جاءت العزلة كغفوة أو إغماءة، مفاجئة، شديدة الحاجة. فاتني شيء؟ لا وأبدًا

كتبت هذه التدوينة في الساعات الأخيرة قبل فجر عيد الأضحى الموافق (..) هجريًا.   

بصمة الفترة-ومواساة لبثينة التي تعارض نشر مواد جادة يوم العيد، النص أعلاه أرهقني ضحكًا-