“وكأن همًا واحدًا لا يكفي، أو كأن الهموم تستأنس بعضها ببعض فلا تنزل على الناس إلا معًا”
رضوى عاشور، ثلاثية غرناطة
إنَّ المرء إذا حزن استدعى كلَّ أحزانه السابقة، كأنّ حزنًا واحدًا لا يكفيه..
عندما أحزن، يهمّني أمر، و تتداخل أعصاب الدماغ مشكّلة عقدة تُثقل رأسي، وأشعر بالاختلاف عمّن حولي لحملي هذه العقدة، أشعر أني في عالمٍ مختلف بينما أنا بجسدي بينهم.
هنا أكون قد وضعت رجلي في المحيط، إذ ما إن يتركّز هذا الشعور داخلي حتى يجذبني لأغرق فيه، يجرّني إليه، أقاوم الرغبة الملحّة بالغرق. رغبة مغرية، ربما لأنه لذيذ أن يُشغل بالك بشيءٍ يبدو في ظاهره مهم، يميّزك عن الغير، يا للنفس البشرية الضعيفة!
أيًا كان سبب هذه الرغبة الجامحة، فإن الأكسجين النادر في تلك اللحظات، وميض الأمل والجدوى والتفاؤل، نفيس جدًا.. رغم قلته إلا أنه كافٍ لينقذك.
الأعجب من هذا أني أحارب نفسي في هذا الموقف، أنا من أريد الخروج من الحزن، وأنا ذاتها من تود الإغراق فيه
يا للإنساان
2019-10-28
بعد صعود وهبوط وأخذٍ و ردّ، لم أترك لنفسي المجال للتمادي في تلبية تلك الرغبة الملحّة، ليقيني من سوء عواقب ذلك عليّ. لكن، وبناءً على رؤية من يلتقمها الحزن الغريب في هذه اللحظة، أظنّ أني يجب أن أُولي هذا الشعور المهيب بعض الاحترام.
“حزنٌ أنيق” لا أعرف أين سمعت هذا المصطلح، الذي بدا لي حينها بكل تأكيد كليشيًا مستهلكًا، لكن واهٍ ما أصدقه! أفهمه، أو على الأقل أفهمه الآن فحسب.
مجاراة هذا الشعور يجعلك تنغمس بشدة في دركات الحزن.. حتى تنسى النور. وعلى الرغم من لذة الاستسلام له، فآثاره -حين يغادرك- وخيمة حقًا. أعرف أن التجاهل ومقاومة الانزلاق صعبة، وتبدو حينئذٍ سخيفة، مثيرة للغضب، وبلا معنى، لكن علىّ أن أرى الصورة بأكملها. حياتي، وكل الحيوات، ترتكز على لحظات الصفاء والعادية -لا الحزن، أو فرط السعادة- فمن العدل أن أعمل ما يحفظ لي جلّ ما أملك.